أولّ تطبيق قضائي بفرنسا لنظريّة القوّة القاهرة في علاقة بفايروس كورونا Covid19

في قرار حديث مؤرّخ في 12/03/2020 تحت عدد 20/01098 يتعلّق بقانون الأجانب، اعتبرت الدائرة السادسة بمحكمة الإستئناف بكولمار بأنّ “غياب طالب اللجوء بالجلسة المستدعى إليها مرتبط بالظروف الإستثنائيّة و الغير الممكن اجتنابها و الّتي تكتسي صبغة القوّة القاهرة المتربطة بالجائحة الحاليّة COVID-19. ؛ هذا الأخير تواصل مع أشخاص من الممكن أن تكون مصابة بالفايروس. وقد ذكرّت المحكمة بمعايير القوّة القاهرة وقد جاء بالقرار أنّ “هاته الظروف الإستثنائيّة الّتي أدّت إلى تغيّب السّيد Victor G عن جلسة اليوم تكتسي صبغة القوّة القاهرة باعتبارها خارجة عن نطاقه “extérieures”، غير متوقّعة “imprévisibles” ومن غير الممكن تجنّب آثارها باتخاذ تدابير مناسبة « irresistibles » اعتبارا للأجل الذي يفرضه القانون للبتّ و لكون من غير الإمكان التأكّد من غياب أي خطر للعدوى (باعتباره تواصل مع أشخاص بالإمكان أن يكونوا مصابين بالفايروس) وعدم توفّر فرقة مرافقة مرخص لها بإحضار االسّيد Victor G في هذا الأجل. فضلا عن كون مركز الإحتفاظ الإداري ب Geispolsheim صرّح بكونه لا يمتلك معدّات بالإمكان استعمالها لسماع السّيد Victor G عن بعد في إطار التداول بالفيديو visioconférence وهو ما يجعل هذا الحل هو الآخر غير ممكن التطبيق في إطار هاته الجلسة.”

« ces circonstances exceptionnelles, entraînant l’absence de M. G. à l’audience de ce jour revêtent le caractère de la force majeure, étant extérieures, imprévisibles et irrésistibles, vu le délai imposé pour statuer et le fait que, dans ce délai, il ne sera pas possible de s’assurer de l’absence de risque de contagion et de disposer d’une escorte autorisée à conduire M. G. à l’audienceDe plus, le CRA de Geispolheim a indiqué ne pas disposer de matériel permettant d’entendre M. G. dans le cadre d’une visio-conférence, ce dont il résulte qu’une telle solution n’est pas non plus envisageable pour cette audience ».

وفي ما يلي أحكام الفصل 1218 من المجلة المدنيّة الفرنسيّة و الّتي تعرّف القوّة القاهرة في المادّة التعاقديّة

 « Il y a force majeure en matière contractuelle lorsqu’un événement échappant au contrôle du débiteur, qui ne pouvait être raisonnablement prévu lors de la conclusion du contrat et dont les effets ne peuvent être évités par des mesures appropriées, empêche l’exécution de son obligation par le débiteur.

Si l’empêchement est temporaire, l’exécution de l’obligation est suspendue à moins que le retard qui en résulterait ne justifie la résolution du contrat. Si l’empêchement est définitif, le contrat est résolu de plein droit et les parties sont libérées de leurs obligations dans les conditions prévues aux articles 1351 et 1351-1. »

 هذا وقد سبق للمحاكم الفرنسيّة أن تناولت موضوع الجوائح في ما سبق فيما فمثلا في إطار قضيّة تعلّقت بعدم تنفيذ إلتزامات تعاقديّة جرّاء انتشار حمّى الدنج أو الضنك،  اعتبرت المحكمة أن هاته الحمّى كانت تظهر بانتظام بما يدحض عنها معيار عدم إمكانيّة التوقّع « imprévisibilité »و بالإمكان كذلك اتخاذ تدابير حمائيّة فرديّة للتوقّي من وخزات تلك الحشرات بما يدحض معيار عدم إمكانيّة تجنّب الآثار باتخاذ تدابير مناسبة (Nancy, 1re ch. Civ., 22 nov. 2010, n°09/00003). وفي قرار آخر اعتبرت المحكمة أن انتشار وباء الطاعون بمنطقة قريبة من منطقة توقّف باخرة لا يبرّر إلغاء الرحلة لوجود قوّة قاهرة اعتبارا إلى أنّ الأمر غير مؤكّد و لا يكتسي خطورة كافية سيما و أنّه لا وجود لأي توصيات لشركات الأسفار فضلا عن وجود إمكانيّة للتوقي بتناول أدوية وقائيّة (Paris, 25e, section B, 25 sept. 1998, n° Juris-Data 1998-024244) وهذا يعني أنّ وجود انتشار مرض في مكان ما لا يكفي لوحده لاعتباره من قبيل الوباء أو الجائحة الّي تكيّف كقوّة قاهرة.

واللافت للنظّر هنا أنّ محكمة كولمار أكّدت على معايير اعتبار هاته الجائحة في إطار هاته القضيّة بالذّات من قبيل الظروف الّتي تكيّف كقوّة قاهرة وتناولت معيار عدم إمكانيّة تجنّب الآثار باتخاذ تدابير مناسبة « irresistibilité » وهو المعيار الذي اعتبره فقه القضاء أهمّ معيار (تونس: تعقيب مدني عدد 16957 بتاريخ 25/04/1989، تعقيب مدني عدد 34611 بتاريخ 16/03/1994، تعقيب مدني عدد 3120 بتاريخ 11/12/2006 فرنسا: Civ. 2e, 18 mars 1998, Bull. civ. II, no 97).) وقد أكدّت المحكمة على هذا المعيار عندما تناولت إنعدام أي إمكانيّة للتأكّد من غياب أي خطر للعدوى (عدم وجود لقاح وقائي أو علاج) وعدم إمكانيّة توفير فرقة مرافقة مرخص لها بإحضار االسّيد Victor G في هذا الأجل. فضلا عن كون مركز الإحتفاظ الإداري لا يمتلك معدّات بالإمكان استعمالها لسماعه عن بعد في إطار التداول بالفيديو visioconférence وبما يجعل كلّ هاته الظّروف تكيّف من قبيل القوّة القاهرة.

وهذا يعني أن وجود الجائحة في حدّ ذاته لا يعدّ بمثابة القوّة القاهرة الّتي تعدّ سببا معفبا من تنفيذ الإلتزامات أو من المسؤوليّة أو مرتّبة لأي أثر قانوني إلّا إذا توفّرت كلّ الشروط الضروريّة و لعلّ أهمّها عدم إمكانيّة تفادي الآثار باتّخاذ التّدابير الضروريّة.

و إذا تطرّقنا لهذا الموضوع من وجهة نظر تعاقديّة بحتة فيما يتعلّق مثلا بتعذّر خلاص دين في القانون التّونسي فإنّ فايروس COVID19 و الذي أصبح بموجب الأمر الحكومي عدد 152 لسنة 2020 يعدّ من ضمن الأمراض السارية على معنى القانون عدد 71 لسنة 1992 لا يعفي لوحده من المسؤوليّة عملا بأحكام الفصلين 282 و 283 م.إ.ع بل إنّ الامر يستلزم كذلك إبراز العلاقة السببيّة « le lien de causalité » بين الوباء و عدم الخلاص (مثلا في ما يتعلّق بأنشطة المطاعم: إبراز أنّ نقص السّيولة النقديّة في علاقة مباشرة بالوباء باعتبار أنّ الحرفاء بارحوا المطاعم كلّ ذلك بالإعتماد على الوثائق المحاسبيّة ) مع العلم و أنّه و بالنّسبة لأغلب البلدان ولغالبيّة الانشطة فإن القوّة القاهرة هاته المرّة لها طبيعة مزدوجة حسب التعريف الوارد في الفصل 283 م.إ.ع فهي تتمثّل في الوباء وفي فعل الأمير « fait du prince » وهذا يجد سنده في تونس في الأمر الرئاسي عدد 24 لسنة 2020 المؤرخ في 18 مارس 2020 المتعلق بمنع الجولان بكامل تراب الجمهورية والأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 المتعلق بتحديد الجولان والتجمعات خارج أوقات منع الجولان)

ويبقى الإشكال في تونس في ما يتعلّق بسير إجراءات التقاضي اعتبارا إلى أنّ القوّة القاهرة في القانون التونسي ؛ و في غالب الأحيان و دون الأخذ بعين الإعتبار لبعض الاجتهادات الفقهيّة والفقه قضائيّة الّتي وإن كان جريئة ومعمّقة و لكن غير كافية لتحقيق الأمن القانوني « la sécurité juridique »اللازم (على سبيل المثال رأي القاضي المنصف الكشو، القوة القاهرة في المرافعات المدنية و التجاريّة زمن الكورونا “كوفيد 19” https://drive.google.com/file/d/1kWxC2JR6LyxzHJh5yp3y5Zvsx2y99_de/view?fbclid=IwAR10Gi5QVJA4v5qAgwe75jfCjmLSolGQ4Qr2k0oUVHjQLNIY4Sm-tbZZ_jM) ؛ ليس لها تأثير على سير إجراءات التقاضي عموما.

والمعلوم أنّ الطبيعة الشّكليّة للإجراءات في القوانين ذات المرجعيّة الرومانوجرمانيّة، تعطي للآجال أهميّة كبرى في النظريّة العامّة لعدّة أسباب يطول شرحها هنا.

بعض هاته الآجال يعتبرها القانون آجال سقوط « délais de forclusion » (آجال تقديم الطعون، آجال تقديم بعض الوثائق، آجال القيام ببعض الإجراءات) و يترتّب عن عدم احترامها فقدان الحقوق وتلاشيها لا محالة باعتبار أنّ المسقطات تتمسّك بها المحكمة من تلقاء نفسها عملا بأحكام الفصل 13 م.م.م.ت.

ونظرا لكافّة الإجراءات الّتي تمّ اتخاذها بموجب الأوامر الرئاسيّة عدد 24 و 28 لسنة 2020 و الّتي انجرّ عنها إقرار الحجر الصّحي، فإنّ احترام هاته الإجراءات يصبح من قبيل الأمر المستحيل ولتفادي تعطّل المصالح و اتخاذ الإجراءات الفعّالة تولّت الحكومة تقديم مشروع قانون لمجلس نوّاب الشعب يتعلق بالتفويض الى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور (http://www.arp.tn/site/servlet/Fichier?code_obj=109857&code_exp=1&langue=1) ومن ضمن المجالات الّتي من المنتظر أن يشملها التفويض حسب ما جاء بالفصل 1 من هذا المشروع ، الإجراءات أمام مختلف المحاكم و تنظيم العدالة و القضاء. ويأتي ذلك عقب اصدار المجلس الأعلى للقضاء مذكّرة في 15/03/2020 اعتبر فيها أن الوضع الصحي العام هو من قبيل القوّة و إصدار الهيئة الوطنيّة للمحامين بيانا في 15 مارس 2020 اعتبرت فيه هي الأخرى أن الحالة الصحيّة بالبلاد تشكّل قوة قاهرة وبيان آخر مؤرّخ في 22/03/2020 اعتبرت فيه الهيئة أن قرارات مجلس الأمن القومي المنعقد في 20/03/2020 و بلاغ وزارة العدل المؤرّخ في 21/03/2020  هما بمثابة تعليق لإجراءات التقاضي والتبليغ وسائر الطعون وآجال السقوط في المادة المدنيّة و الإداريّة و الجزائيّة.

ويبقى السؤال مطروحا حول الطريقة التي سيتم اعتمادها في تعليق الآجال فهل سيقتصر الأمر على تعليق للآجال طيلة فترة التعذّر أم سيتمّ التمديد في الآجال أم سيقع قطعها وإعادة الإحتساب مجدّدا بداية من أوّل يوم لانقضاء فترة الحجر الصّحي. وحسب رأيي فالمتجه قطع الآجال كليّا وإعادة الإحتساب مجدّدا بداية من أوّل يوم لانقضاء فترة الحجر الصّحي بالنّظر إلى صعوبة التكهن بمستقبل الوضع الوبائي في تونس وإيقاع  إستئناف العمل داخل الإدارات الّتي قد تتدخّل من قريب أو من بعيد في إجراءات التقاضي ذلك أنّ إستئناف العمل لن يكون بالأمر الهيّن في ظلّ الوضع الصّحي و الاجتماعي و الاقتصادي الذي تمرّ به تونس.

يذكر أنّ المجلس الأعلى للقضاء سبق و أنّ تقدّم بمقترح قانون أساسي للبرلمان يتعلق بأحكام إستثنائية خاصة بآجال التقاضي أمام المحاكم إلا أن المقترح جوبه بالرفض لصدوره عن طرف غير مختص بالمبادرة وفي ما يلي نصّ المقترح « تعلق آجال التقاضي طيلة الفترة الممتدة من 12 مارس 2020 إلى 5 أفريل 2020 بدخول الغاية في إطار التوقي من انتشار فيروس «كورونا الجديد» (كوفيد19) بالبلاد التونسية

يمكن، عند الاقتضاء، بقرار من المجلس الأعلى للقضاء التمديد في فترة التعليق المبينة بالفقرة الأولى من هذا الفصل مدة أسبوع قابلة للتجديد إلى حين زوال الموجب.

يقصد بآجال التقاضي على معنى أحكام هذا القانون آجال رفع الدعاوى وتقديم الطعون والمطالب والمستندات واجال التبليغ أمام محاكم القضاء العدلي والإداري والمالي بمختلف درجاتها».

Share